للمهتمين بتطورات الأحوال الجوية، تبدو الأفق مشرقة: فقد طوّر الباحثون نظامًا لتوقعات الطقس يعتمد على الذكاء الاصطناعي يقدّم تنبؤات أسرع وأكثر دقة من أفضل الأنظمة الحالية.
نظام “جين كاست” (GenCast)، برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بالطقس من جوجل ديب مايند، حقق أداءً أفضل بنسبة تصل إلى 20% مقارنة بتوقعات نظام “ENS” التابع للمركز الأوروبي لتوقعات الطقس متوسطة المدى (ECMWF)، الذي يُعتبر على نطاق واسع الأفضل في هذا المجال.
على المدى القريب، يُتوقع أن يدعم “جين كاست” التوقعات التقليدية بدلاً من أن يحل محلها، لكنه حتى في دوره المساعد يمكنه تقديم وضوح أكبر بشأن موجات البرد والحرارة والرياح القوية. كما يمكنه مساعدة شركات الطاقة على التنبؤ بكمية الطاقة التي ستنتجها توربينات الرياح.
في مقارنة مباشرة، قدّم “جين كاست” تنبؤات أكثر دقة من نظام “ENS” فيما يتعلق بالأحوال الجوية اليومية والظواهر المتطرفة حتى 15 يومًا مقدمًا. كما أظهر تفوقًا في التنبؤ بمسارات الأعاصير المدارية المدمّرة وغيرها، بما في ذلك مواقع وصولها إلى اليابسة.
وقال إيلان برايس، باحث علمي في جوجل ديب مايند: “التفوق على نظام ENS يمثل نقطة تحول في تقدم الذكاء الاصطناعي لتوقعات الطقس. على الأقل في المدى القصير، ستعمل هذه النماذج جنبًا إلى جنب مع الأساليب التقليدية.”
تعتمد التوقعات الجوية التقليدية على حل معادلات رياضية معقدة لتقديم تنبؤاتها، بينما تعلم “جين كاست” كيف تتطور الأحوال الجوية عالميًا من خلال تدريبه على بيانات تاريخية تمتد لـ40 عامًا بين عامي 1979 و2018. تضمنت البيانات سرعات الرياح، درجات الحرارة، الضغط، الرطوبة وعشرات المتغيرات الأخرى على ارتفاعات مختلفة.
وبناءً على أحدث بيانات الطقس، يتوقع “جين كاست” كيفية تغير الظروف الجوية عالميًا على مربعات تصل مساحتها إلى 28 كيلومترًا في 28 كيلومترًا للأيام الـ15 المقبلة بخطوات زمنية تبلغ 12 ساعة.
في حين تستغرق التوقعات التقليدية ساعات لتشغيلها على حواسيب فائقة تحتوي على عشرات الآلاف من المعالجات، يستغرق “جين كاست” ثماني دقائق فقط باستخدام معالج TPU السحابي الخاص بجوجل والمصمم لتطبيقات تعلم الآلة. وقد نُشرت التفاصيل في مجلة “نيتشر”.
أصدرت جوجل سلسلة من التوقعات الجوية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة نتيجة أبحاث استكشافية بطرق متعددة. في يوليو، أعلنت الشركة عن نظام “NeuralGCM” الذي يجمع بين الذكاء الاصطناعي والفيزياء التقليدية لتقديم تنبؤات طويلة المدى ونماذج مناخية.
وفي عام 2023، كشفت جوجل ديب مايند عن نظام “GraphCast”، الذي ينتج تنبؤًا واحدًا أفضل تخمين في كل مرة. ويستند “جين كاست” إلى هذا النظام عن طريق إنشاء مجموعة من 50 تنبؤًا أو أكثر، مع تقديم احتمالات للأحداث الجوية المختلفة.
وقد رحب خبراء الطقس بهذا التقدم. وقال ستيفن رامسديل، رئيس قسم التنبؤات الجوية بمكتب الأرصاد الجوية ومسؤول عن الذكاء الاصطناعي: “العمل مثير.” ووصفت المتحدثة باسم المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى التقدم بأنه “إنجاز كبير”، مشيرة إلى أن مكونات “جين كاست” تُستخدم بالفعل في أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم.
وقالت سارة دانس، أستاذة دمج البيانات بجامعة ريدينغ: “تنبؤات الطقس على وشك أن تشهد تحولًا جذريًا في المنهجية.” وأضافت: “هذا التقدم يفتح المجال أمام خدمات الطقس الوطنية لإنتاج مجموعات أكبر من التوقعات، مما يوفر تقديرات أكثر موثوقية لثقة التوقعات، خاصة للظواهر الجوية المتطرفة.”
لكن هناك تساؤلات قائمة. قالت دانس: “لم يوضح المؤلفون ما إذا كان نظامهم يمتلك الواقعية الفيزيائية اللازمة لالتقاط تأثير ‘الفراشة’، وهو انتشار سريع للشكوك، وهو أمر حاسم للتنبؤ الفعّال باستخدام النماذج.” وأضافت: “لا يزال الطريق طويلاً قبل أن تحل أساليب تعلم الآلة محل التوقعات المستندة إلى الفيزياء بشكل كامل.”
وأضافت أن بيانات التدريب الخاصة بـ”جين كاست” تجمع بين الملاحظات السابقة وتوقعات الطقس المستندة إلى الفيزياء، التي تتطلب رياضيات معقدة لسد الثغرات في البيانات التاريخية. وتابعت: “يبقى أن نرى ما إذا كان يمكن لتعلم الآلة التوليدي تجاوز هذه الخطوة والانتقال مباشرة من الملاحظات غير المعالجة إلى توقعات تمتد لـ15 يومًا.”
ورغم الأداء الواعد، تساءل برايس: “هل سيكون نظام التنبؤ بالذكاء الاصطناعي محصنًا ضد الأخطاء؟” وأكد: “جميع نماذج التنبؤ لديها فرصة للخطأ، و’جين كاست’ ليس استثناءً.”
المصدر: The Gaurdian